مواجهة الطوارئ المناخية: التعامل بجدية مع الشرق الأوسط
مع التواجد المتزايد لشركات النفط الوطنية وغيرها من الشركات الرأسمالية الخليجية بشكل مباشر في شبكات الإنتاج الأسيوية – وليس العمل كموردين للخام فقط – يجب أن نعيد التفكير في مقاربتنا للأبعاد الجغرافية لصناعة الوقود الأحفوري في العالم. فلا يكفي التركيز على تقليل الاستهلاك المباشر للوقود الأحفوري أو انبعاثات الكربون في المراكز الغربية التقليدية فقط. فلا يزال إنتاج السلع العالمي – بما في ذلك الكثير مما يُستهلَك في النهاية فعليًا في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية – له أساس قوي في محور رأسمالية الوقود الأحفوري الذي يربط حقول النفط والمصافي والمصانع في الشرق الأوسط وآسيا. وتُعتبر أوجه الاعتماد المتبادل العميقة بين مختلف أجزاء هذا المحور مكونًا هامًا من تراكم رأس المال في كلا المنطقتين، وتساهم في دعم قوة نخب الدول والقطاع الخاص. ومن منظور بيئي، يؤدي هذا الاعتماد المتبادل شرق-شرق إلى إعادة ترسيخ الوقود الأحفوري في قلب سلاسل الإنتاج العالمي، ومن ثم فهو يشكّل عائقًا كبيرًا أمام أي انتقال ناجح للأخضر.
تفسر هذه التحولات العالمية لماذا لا تعتزم دول الخليج تقليل إنتاجها من الوقود الأحفوري قريبًا. بل كدول رأسمالية، تكمن مصالحها الاستراتيجية في استمرار اعتماد العالم على النفط كوقود لأطول وقت ممكن. وقد طرح وزير الطاقة السعودي – الأمير عبد العزيز بن سلمان – هذا المنظور بشكل صريح في 2021 متعهدًا بـ"استخراج كل ذرة هيدروكربون" في إطار خطط زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط بالمملكة بأكثر من 8٪ بحلول عام 2027 لتصل إلى 13 مليون برميل في اليوم.35 وفي اتجاه تحقيق هذا الهدف، استثمرت أرامكو السعودية بشكل أكبر في توسع حقول النفط في 2022 أكثر من أية شركة أخرى في العالم. وقد دفعت هذه التحركات جريدة فاينانشيال تايمز لتلاحظ أن أرامكو "تضاعف إنتاجها" بهدف أن تكون "آخر منتج كبير للنفط" و"تراهن على أنها قادرة على الاستمرار في القيام بأكثر شيء تعرفه: ضخ النفط لعقود قادمة واكتساب المزيد من القوة في السوق مع قيام المنتجين الآخرين بتقليل إنتاجهم" (2023).36 وقد عبرت كل الدول الغنية بالهيدروكربون في الخليج عن نيتها اتباع نفس المسار.
لكن هذا لا يعني أن ممالك الخليج تنكر حقيقة التغير المناخي أو تنأى بنفسها عن التوجه العالمي نحو التقنيات "الخضراء" الجديدة. بل العكس تمامًا هو الحال؛ فكل شركات النفط الوطنية الكبرى بالخليج عبرت عن دعمها لأهداف اتفاقية باريس وتبنت تعهدات بلادها بالوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري.37 فهي تستثمر أيضًا بشكل هائل في الهيدروجين وحجز الكربون والطاقة الشمسية، وهدفها الصريح من هذا أن تصبح رائدة عالميًا في هذه التقنيات (انظر الفصل الخاص بكريستيان هندرسون في هذا الكتاب). الأمر الأكثر وضوحًا هو أن دول الخليج احتلت موقعًا بارزًا في المحافل الإقليمية والدولية، مثل مؤتمر الأطراف في اتفاقية تغير المناخ كوب 27 ومؤتمر الأطراف كوب 28. في كوب 27 المنعقد في مصر عام 2022 على سبيل المثال كان أكبر جناح وطني هو الجناح الخاص بالمملكة العربية السعودية ثم الجناح الخاص بالإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين. كانت مساحة الجناح السعودي 1008 متر مربع أي ضعف مساحة الجناح المستضيف لقارة أفريقيا كلها. وأفريقيا هي الجزء المهدد بدرجة أكبر من آثار التغير المناخي في العالم. أما مؤتمر الأطراف كوب 28 فسوف ينعقد في الإمارات العربية المتحدة.
يوضح كل هذا أن دول الخليج لا ترى تناقضًا بين تبني "حلول منخفضة الكربون" والمضي في مسار تسارع إنتاج الوقود الأحفوري. لكن الأمر شديد الأهمية أن هذا ليس مجرد خطابة إنشائية تمارسها لاستخدام الانتقال للأخضر كدعاية لتحسين صورتها، حيث إن توسع قطاع الطاقة المتجددة يعتبر إلى حد كبير خطوة ضرورية نحو تمكين دول الخليج من بيع المزيد من الغاز والنفط. فمع وجود مستويات عالية جدًا من استهلاك الطاقة محليًا، يعني الإحلال المحلي لمصادر الطاقة البديلة محل النفط والغاز إتاحة المزيد من الوقود الأحفوري للتصدير. تكمن طريقة التفكير هذه بالفعل بشكل واضح خلف خطة المملكة العربية السعودية لإنتاج نصف كهرباء البلاد من مصادر متجددة بحلول 2030 (وهو ما سيكون أسرع من معظم مناطق العالم الأخرى بما في ذلك الاتحاد الأوروبي). وقد عبر الأمير عبد العزيز بن سلمان عن هذا حين اعتبر أن هذا الانتقال نحو مصادر الطاقة المتجددة "نجاح ثلاثي الأبعاد": زيادة صادرات النفط وتخفيض التكلفة المحلية للطاقة ونيل الوجاهة والتقدير بسبب تحقيق أهداف خفض الانبعاثات.38
كذلك توفر التقنيات والبنية التحتية للطاقة المرتبطة بالانتقال للأخضر فرصًا مربحة للشركات التي مقراتها في الخليج بما في ذلك شركات النفط الوطنية مثل أرامكو. في ديسمبر 2022 أصبحت المملكة العربية السعودية أول بلد في العالم يُرسل عن طريق البحر شُحنة من "الهيدروجين الأزرق" لأغراض تجارية، وكانت هذه الشحنة موجهة لكوريا الجنوبية؛ مما عزز التوقعات بأن محور الشرق–شرق في صناعة النفط في العالم سيتجه قريبًا نحو مصادر الطاقة المتجددة.39 وتخطط كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان والكويت لتشغيل مواقع ضخمة للهيدروجين على أراضيها، وهو ما سيجعل المنطقة واحدة من أكبر مراكز إنتاج الهيدروجين في العالم.40 وبالمثل، تحصل أنشطة حجز الكربون والطاقة الشمسية على استثمارات كبيرة من حكومات الخليج (ومرة أخرى تمر في معظم الأحوال من خلال شركات النفط الوطنية). فكل شركات الطاقة المتجددة الكبيرة في الشرق الأوسط مثل مصدر (الإمارات العربية المتحدة) وأكوا باور (المملكة العربية السعودية) ونبراس للطاقة (قطر) تقع مقراتها في الخليج. وسيلعب الخليج من خلال هذه الشركات وهيمنتها على أسواق الطاقة المتجددة الصاعدة دورًا مسيطرًا في تحديد شكل الانتقال "الأخضر" في المنطقة.
تعمل دول الخليج على أن تبدو وكأنها تحوّل نفسها إلى أطراف فاعلة أساسية في المعركة ضد تغير المناخ، وهكذا تخفي استمرارية مركزيتها في الرأسمالية المعولمة المعتمدة على الوقود الأحفوري. هذا هو الهدف الحقيقي وراء الدور القيادي الذي تلعبه في مداولات مؤتمر الأطراف كوب 27 ومؤتمر الأطراف كوب 28. وهو وسيلة لتشكيل تعامُل العالم مع أزمة التغير المناخي ومقاومة أي ابتعاد عن النظام العالمي المتمحور حول النفط. لكن هذه الحقائق تربط بقوة النضالات السياسية في الشرق الأوسط بمستقبلنا على الكوكب أيضًا. فمع تربُع ممالك الخليج على قمة أشكال متطرفة من اللامساواة في الثروة والسلطة في المنطقة؛ يجب اعتبار الحركات الشعبية التي تهدف لتحدي هذه الأنظمة وتحقيق عدالة اجتماعية واقتصادية في مختلف أنحاء المنطقة حلفاء جوهريين للنضالات البيئية في العالم. وأي منظور لأزمة المناخ يتجاهل الخليج وسياسات المنطقة بشكل أوسع – ويصوب سهامه فقط للحكومات الغربية وصناعة النفط الغربية – لا يُعتبَر منفصلًا فقط عن حقائق النفط في العالم وإنما أيضًا غير ملائم للتحديات الجسام القائمة.
آدم هنية يشغل منصب أستاذ الاقتصاد السياسي والتنمية الدولية في IAIS بجامعة إكسيتير، وهو رئيس مشارك لمعهد الدراسات الدولية ودراسات المناطق (IIAS) بجامعة تسينغوا في بكين، الصين. نشر هنية أربعة كتب استكشف من خلالها قضايا مختلفة متعلقة بمنطقة الشرق الأوسط. وكتابه الأخير "أموال وأسواق وممالك: مجلس التعاون الخليجي والاقتصاد السياسي للشرق الأوسط المعاصر"، نشرته مطبعة جامعة كامبردج في عام 2018، ونال في 2019 جائزة الكتب الممنوحة من مجموعة الاقتصاد السياسي الدولي بجمعية الدراسات الدولية، ثم في عام 2019 نال جائزة معهد الدراسات العربية لكتب الاقتصاد السياسي.